«الفريند» ليس صديقاً
منذ فترة، اتخذت قراراً لم يتسنّ لي الوقت بعد أو ربما الحزم، لأنفّذه. فقد قررت، أن أغلق نهائياً حساب الفايسبوك خاصتي، أو ما يصطلح على تسميته «حيط الفايسبوك تبعي».
وأنا، وأعوذ بالله من كلمة أنا، من النوع الذي تأخر للحاق بركب الفايسبوك، كما تأخرت باستعمال الموبايل، وكما اماطل حالياً باللحاق بركب «الآي باد» و«الآي بود» وما تيسر من «آيات» تقنيات الاتصالات الحديثة، لطبيعة حذرة اكتسبتها بالتجربة المرّة، من «تعاطي» وسائل الاتصال العصرية المفتوحة، او الموصولة على الأصح، بسيرفرات او خوادم المخابرات العالمية التي تستبيحنا (راجع/ي قصة إدوارد سنودن مسرّب وثائق «أن أس آي» اي وكالة الامن القومي الاميركي).
لكن، وبرغم هذا الحذر الاصطناعي، كوني شخصاً ميالاً الى العفوية، خضعت متأخرة للتيار العام، وأنشأت حساباً قلت أستفيد منه على الأقل بالتواصل مع قراء مدونتي في جريدة الأخبار، خاصة مع كتاب وجمهور صفحات «مخيمات»، لوجود الجزء الأكبر منهم في فلسطين المحتلة وفي الشتات.
وبما أنه حائط عام، أي إنني لم أفتحه للتواصل مع أصدقائي، فقد كنت أقبل أي طلب تقريباً للانضمام الى لائحة «الفريندز».
و«الفريند الفايسبوكي» هو أي شخص يطلب الانضمام الى لائحة المتاح لهم التعليق على حائطك، وربما وجب أن يضع له الإنسان مواصفات، ليميزه عن الصديق كما تعني المفردة الجميلة باللغة العربية. فالفريند، هو متفرج/مشارك، قد لا تعرف «قرعة أبوه من وين»، ولكن ما يجمعك به افتراضاً، الاهتمامات المشتركة والتعليقات، خصوصاً إذا أثبت بتلك التعليقات أنه واسع الاطلاع، متابع، ظريف، ذكي ولمّاح، كما القلائل للأسف.
ومع تفاقم الأزمة السورية، بدا لي أن عدد «الفريندز» لامس بسرعة سقف المسموح به (اي 5 آلاف شخص). لكن، ومع تكاثر هؤلاء، لاحظت أيضاً أن مستوى التعليق او «التلييك» آخذٌ بالهبوط. لا أقصد من حيث الغزارة بل من حيث النوعية. ثم بدأت بالتسلل الى حائطي مفردات لغة سفيهة، شوارعية وذكورية (حتى من نساء). هكذا، كنت أعود الى الصفحة بعد غياب، لأكتشف معارك كلامية نابية حصلت في غيابي، ما يضطرني للتدخل السريع بحذف التعليقات أحياناً، وإن استلزم الأمر فآخر الدواء «البلوكاج» أي تجميد عضوية «الفريند» المدان.
ثم اكتشفت أنواعاً أخرى من الفريندز. اولئك الذين يختارون «صداقتك» لأن صورتك أعجبتهم، او لأنهم من جماعة «ليّكلي حتى ليكلك»، على وزن «شيلني واشيلك» المصرية، هؤلاء يصفهم المؤرخ واللغوي البارع أحمد بيضون (صاحب كتب معشر الفسابكة) بأنهم قومٌ «ما أن يلوّغوا حتى يليكوا» أي أنهم ما أن يدخلوا (من لوغ إن) حتى يضعوا «لايك» حتى قبل القراءة.
هكذا، كنت أجد رسائل من نوع «قصة شعرك حلوة.. شو بتشتغلي؟». أما الرسالة التي لم أصدق عينيّ حين قرأتها فكانت التالية «سيدتي: اني لا أكفّ عن وضع لايك على كل ما تنشرينه من تعليقات أو صور على حيطك.. لكنك لم تضعي لي أي لايك ولا مرة!. لماذا؟ ألم تجدي شيئاً يستأهل أن تحطي عليه لايك؟ كيف تنظرين الى مفهوم الصداقة؟ هل هي من جانبٍ واحد؟».
تأملت الرسالة للحظات.. ضحكت. كبست على صورة «الفريند» المذكور أعلاه، وما ان رأيت تلك «الغرة المفروقة بالنص» وجمعتها مع ما قاله، حتى وقع الرعب في قلبي. فجأة أحسست بأني في زقاق مسدود ليلاً وأن هذا البني آدم يقول لي ما قاله هناك تحديداً. هكذا سارعت وكبست على زر «بلوكاج».
لكن الاكتشاف الأكبر، كان أن عدداً كبيراً من «الفريندز» الذين انضموا لصفحتي منذ بداية الأزمة السورية هم على الأرجح مخابرات من الخندقين او الثلاثة او الأربعة المتدخلة بالأزمة السورية. فتعليقاتهم تنتمي الى أدبيات تلك الجيوش المتطوّعة للتعارك «افتراضياً» دفاعاً عن أحد الخندقين، ما «هشّل» الأصدقاء الحقيقيين، كما أن جزءاً آخر هاماً من تلك الجماهير بدا لي من متطوعي البروباغندا، والاغلبية، في كل الاحوال طائفيون من الأنواع الثلاثة «الصريح، المتخفي، والجاهل او غير المدرك لطائفيته».
ورأيت ان الحائط الافتراضي، هو للبعض ما هو الحائط الباطوني الحقيقي في الفسحة العامة: أي إن البعض يكتب عليه ليخرق المحظور، والبعض الآخر لا يرى فيه إلا جداراً «مقفيّاً» يصلح لخدمة سريعة «مع الحيط» لإراحة «مثانته» إن كانت في مكانها البيولوجي أو في عقله.
ورأيت أن تعاطينا مع الفايسبوك يساهم بالقضاء على لغتنا الجميلة أكانت عامية ام فصحى، وأن البعض يتواصل بلغة تجمع ما بين الأحرف والأرقام اللاتينية، مع أن الكتابة بالعربية متاحة للجميع ولا ضرورة للرقم سبعة مكان الحاء، ولا للرقم ثلاثة مكان العين.. فالموبايلات والكومبيوترات وكل وسائل الاتصال الحديثة فيها «أوبشن» لغة عربية. ورأيت أن جماهير الفايسبوك تطورت، وتواقحت، وعلا صوت جهلها، وأصبحت تظن لسهولة «التعبير»، أنها تملك السلطة التي تتيح لها أن تقمع الكاتب لاختلاف بالآراء، مهددة بالانسحاب من لائحة الفريندز! ويا للهول!
وكم أضحكتني الزميلة سناء خوري في كلام كتبته منذ أيام على جدارها الظريف، حيث روت أنها كانت في عيادة طبيب وسمعت إحدى المنتظرات تتكلم مع صديقتها حول شخص مات على ما يبدو، فتقول لها « ضيعانو.. شو كان محبوب عالفايسبوك!.. كان عندو كتيييير فريندز!».
ورأيت أن نصوص النعوات الحديثة ستأخذ بعين الاعتبار من الآن وصاعداً هذا التفصيل الجديد في حب الوجاهة، فيكتب في نصوصها مثلاً «انتقل الى رحمته تعالى فلان الفلاني الذي كان ناشطاً على الفايسبوك»…
ورأيت أن الفايسبوك أصبح، للهاربين من مجتمعاتهم المختنقة بالفساد والطائفية والتفاهة والاستهلاك، شيئاً مطابقاً لما يهربون منه. فكما تكونوا يكن الفايسبوك. والأهم أنه أينما ذهبت، ومهما استخدمت من تقنيات متطورة، فإن الإناء لا شك سينضح بما فيه.
لذا، قررت ان اعطل جداري واعود الى الايمايلات. لكن صديقا نصحني بالتويتر، فقمت بفتح حساب لي هناك.لكن خيبتي التويترية جاءت اكثر حدة من خيبتي الفايسبوكية. هكذا، اصبحتُ بعد فترة اكره الاثنين: الفايسبوك والتويتر، مع الابقاء على الصفحتين. ثم فكرت ان اعطل جداري الفايسبوكي الحالي وأنشئ صفحة جديدة للأصدقاء الحقيقيين، الا اني وجدت الامر غير عملي لكثرة «الفريند».
فاعتمدت في النهاية صيغة وسيطة وهي ان اقوم بتنظيف جداري وفق عملية بطيئة، بمعنى استبدال من لا معنى لهم، باصدقاء ولو كانوا مفترضين الا اني سأختارهم بعناية هذه المرة، آخذة بعين الاعتبار أن «الفريند» ليس صديقاً، لذا لا يمكن، لا بل من المفضل أن لا أتصل به، إن لم أكن أريد إضاعة وقتي في وهم التواصل الاجتماعي.
وهو تواصل أستطيع الحصول على النسخة الحقيقية منه بمجرد الخروج من البيت مع أصدقاء، او القرع على باب جارتي الظريفة لأعيد لها فنجاناً من السكر كنت قد استعرته قبل يومين.
وأنا، وأعوذ بالله من كلمة أنا، من النوع الذي تأخر للحاق بركب الفايسبوك، كما تأخرت باستعمال الموبايل، وكما اماطل حالياً باللحاق بركب «الآي باد» و«الآي بود» وما تيسر من «آيات» تقنيات الاتصالات الحديثة، لطبيعة حذرة اكتسبتها بالتجربة المرّة، من «تعاطي» وسائل الاتصال العصرية المفتوحة، او الموصولة على الأصح، بسيرفرات او خوادم المخابرات العالمية التي تستبيحنا (راجع/ي قصة إدوارد سنودن مسرّب وثائق «أن أس آي» اي وكالة الامن القومي الاميركي).
لكن، وبرغم هذا الحذر الاصطناعي، كوني شخصاً ميالاً الى العفوية، خضعت متأخرة للتيار العام، وأنشأت حساباً قلت أستفيد منه على الأقل بالتواصل مع قراء مدونتي في جريدة الأخبار، خاصة مع كتاب وجمهور صفحات «مخيمات»، لوجود الجزء الأكبر منهم في فلسطين المحتلة وفي الشتات.
وبما أنه حائط عام، أي إنني لم أفتحه للتواصل مع أصدقائي، فقد كنت أقبل أي طلب تقريباً للانضمام الى لائحة «الفريندز».
و«الفريند الفايسبوكي» هو أي شخص يطلب الانضمام الى لائحة المتاح لهم التعليق على حائطك، وربما وجب أن يضع له الإنسان مواصفات، ليميزه عن الصديق كما تعني المفردة الجميلة باللغة العربية. فالفريند، هو متفرج/مشارك، قد لا تعرف «قرعة أبوه من وين»، ولكن ما يجمعك به افتراضاً، الاهتمامات المشتركة والتعليقات، خصوصاً إذا أثبت بتلك التعليقات أنه واسع الاطلاع، متابع، ظريف، ذكي ولمّاح، كما القلائل للأسف.
ومع تفاقم الأزمة السورية، بدا لي أن عدد «الفريندز» لامس بسرعة سقف المسموح به (اي 5 آلاف شخص). لكن، ومع تكاثر هؤلاء، لاحظت أيضاً أن مستوى التعليق او «التلييك» آخذٌ بالهبوط. لا أقصد من حيث الغزارة بل من حيث النوعية. ثم بدأت بالتسلل الى حائطي مفردات لغة سفيهة، شوارعية وذكورية (حتى من نساء). هكذا، كنت أعود الى الصفحة بعد غياب، لأكتشف معارك كلامية نابية حصلت في غيابي، ما يضطرني للتدخل السريع بحذف التعليقات أحياناً، وإن استلزم الأمر فآخر الدواء «البلوكاج» أي تجميد عضوية «الفريند» المدان.
ثم اكتشفت أنواعاً أخرى من الفريندز. اولئك الذين يختارون «صداقتك» لأن صورتك أعجبتهم، او لأنهم من جماعة «ليّكلي حتى ليكلك»، على وزن «شيلني واشيلك» المصرية، هؤلاء يصفهم المؤرخ واللغوي البارع أحمد بيضون (صاحب كتب معشر الفسابكة) بأنهم قومٌ «ما أن يلوّغوا حتى يليكوا» أي أنهم ما أن يدخلوا (من لوغ إن) حتى يضعوا «لايك» حتى قبل القراءة.
هكذا، كنت أجد رسائل من نوع «قصة شعرك حلوة.. شو بتشتغلي؟». أما الرسالة التي لم أصدق عينيّ حين قرأتها فكانت التالية «سيدتي: اني لا أكفّ عن وضع لايك على كل ما تنشرينه من تعليقات أو صور على حيطك.. لكنك لم تضعي لي أي لايك ولا مرة!. لماذا؟ ألم تجدي شيئاً يستأهل أن تحطي عليه لايك؟ كيف تنظرين الى مفهوم الصداقة؟ هل هي من جانبٍ واحد؟».
تأملت الرسالة للحظات.. ضحكت. كبست على صورة «الفريند» المذكور أعلاه، وما ان رأيت تلك «الغرة المفروقة بالنص» وجمعتها مع ما قاله، حتى وقع الرعب في قلبي. فجأة أحسست بأني في زقاق مسدود ليلاً وأن هذا البني آدم يقول لي ما قاله هناك تحديداً. هكذا سارعت وكبست على زر «بلوكاج».
لكن الاكتشاف الأكبر، كان أن عدداً كبيراً من «الفريندز» الذين انضموا لصفحتي منذ بداية الأزمة السورية هم على الأرجح مخابرات من الخندقين او الثلاثة او الأربعة المتدخلة بالأزمة السورية. فتعليقاتهم تنتمي الى أدبيات تلك الجيوش المتطوّعة للتعارك «افتراضياً» دفاعاً عن أحد الخندقين، ما «هشّل» الأصدقاء الحقيقيين، كما أن جزءاً آخر هاماً من تلك الجماهير بدا لي من متطوعي البروباغندا، والاغلبية، في كل الاحوال طائفيون من الأنواع الثلاثة «الصريح، المتخفي، والجاهل او غير المدرك لطائفيته».
ورأيت ان الحائط الافتراضي، هو للبعض ما هو الحائط الباطوني الحقيقي في الفسحة العامة: أي إن البعض يكتب عليه ليخرق المحظور، والبعض الآخر لا يرى فيه إلا جداراً «مقفيّاً» يصلح لخدمة سريعة «مع الحيط» لإراحة «مثانته» إن كانت في مكانها البيولوجي أو في عقله.
ورأيت أن تعاطينا مع الفايسبوك يساهم بالقضاء على لغتنا الجميلة أكانت عامية ام فصحى، وأن البعض يتواصل بلغة تجمع ما بين الأحرف والأرقام اللاتينية، مع أن الكتابة بالعربية متاحة للجميع ولا ضرورة للرقم سبعة مكان الحاء، ولا للرقم ثلاثة مكان العين.. فالموبايلات والكومبيوترات وكل وسائل الاتصال الحديثة فيها «أوبشن» لغة عربية. ورأيت أن جماهير الفايسبوك تطورت، وتواقحت، وعلا صوت جهلها، وأصبحت تظن لسهولة «التعبير»، أنها تملك السلطة التي تتيح لها أن تقمع الكاتب لاختلاف بالآراء، مهددة بالانسحاب من لائحة الفريندز! ويا للهول!
وكم أضحكتني الزميلة سناء خوري في كلام كتبته منذ أيام على جدارها الظريف، حيث روت أنها كانت في عيادة طبيب وسمعت إحدى المنتظرات تتكلم مع صديقتها حول شخص مات على ما يبدو، فتقول لها « ضيعانو.. شو كان محبوب عالفايسبوك!.. كان عندو كتيييير فريندز!».
ورأيت أن نصوص النعوات الحديثة ستأخذ بعين الاعتبار من الآن وصاعداً هذا التفصيل الجديد في حب الوجاهة، فيكتب في نصوصها مثلاً «انتقل الى رحمته تعالى فلان الفلاني الذي كان ناشطاً على الفايسبوك»…
ورأيت أن الفايسبوك أصبح، للهاربين من مجتمعاتهم المختنقة بالفساد والطائفية والتفاهة والاستهلاك، شيئاً مطابقاً لما يهربون منه. فكما تكونوا يكن الفايسبوك. والأهم أنه أينما ذهبت، ومهما استخدمت من تقنيات متطورة، فإن الإناء لا شك سينضح بما فيه.
لذا، قررت ان اعطل جداري واعود الى الايمايلات. لكن صديقا نصحني بالتويتر، فقمت بفتح حساب لي هناك.لكن خيبتي التويترية جاءت اكثر حدة من خيبتي الفايسبوكية. هكذا، اصبحتُ بعد فترة اكره الاثنين: الفايسبوك والتويتر، مع الابقاء على الصفحتين. ثم فكرت ان اعطل جداري الفايسبوكي الحالي وأنشئ صفحة جديدة للأصدقاء الحقيقيين، الا اني وجدت الامر غير عملي لكثرة «الفريند».
فاعتمدت في النهاية صيغة وسيطة وهي ان اقوم بتنظيف جداري وفق عملية بطيئة، بمعنى استبدال من لا معنى لهم، باصدقاء ولو كانوا مفترضين الا اني سأختارهم بعناية هذه المرة، آخذة بعين الاعتبار أن «الفريند» ليس صديقاً، لذا لا يمكن، لا بل من المفضل أن لا أتصل به، إن لم أكن أريد إضاعة وقتي في وهم التواصل الاجتماعي.
وهو تواصل أستطيع الحصول على النسخة الحقيقية منه بمجرد الخروج من البيت مع أصدقاء، او القرع على باب جارتي الظريفة لأعيد لها فنجاناً من السكر كنت قد استعرته قبل يومين.